أثارت صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي لمصر عبر شركة دولفينوس الخاصة، بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، الكثير من التساؤلات حول مدى استفادة الحكومة المصرية والخزانة العامة من هذه الصفقة، خاصة أن المسئول عنها القطاع الخاص.
خبراء اقتصاديون، قالوا إن استفادة مصر تكمن فى إعادة تشغيل محطتي إسالة الغاز فى إدكو ودمياط، وتشغيل جزء من العمالة لتخفيض نسبة البطالة، بجانب تحصيل ضرائب ورسوم وعمولات من وراء هذه الصفقة، فضلا عن استخدامها كورقة ضغط على إسرائيل لتتنازل عن قضايا تحكيم دولى ضد مصر بنحو 3 مليارات دولار.
وأعلن، الإثنين، الشركاء في حقلي الغاز الطبيعي الإسرائيليين تمار ولوثيان، توقيع اتفاقات مدتها عشر سنوات لتصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي إلى شركة دولفينوس المصرية، بحسب وكالة رويترز.
ويسمح قانون تنظيم سوق الغاز الذي أصدره شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء لائحته التنفيذية الأسبوع الماضي، للقطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج، ولكن بعد الحصول على موافقة جهاز تنظيم الغاز الذي ينص عليه القانون الجديد.
وأصدر رئيس مجلس الوزراء، قرارًا الأسبوع الماضي، بتشكيل مجلس إدارة جهاز تنظيم الغاز لمدة 3 سنوات برئاسة طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، على أن يتولى كارم محمود منصب الرئيس التنفيذي للجهاز.
وقال طارق الملا وزير البترول في نوفمبر الماضي، إن مصر لن تصدر تصاريح للشركات لاستيراد الغاز من إسرائيل إلى أن يتم حل قضايا التحكيم بينهما.
ومنذ عامين كانت مصر قد خسرت قضيتين للتحكيم الدولي لصالح إسرائيل بالغرف التجارية الدولية بمبلغ 3 مليار دولار، كما خسرت اليوم الإثنين، قضية تحكيم جديدة لاسرائيل بمبلغ 1.3 مليار دولار للتوقف عن بيع الغاز لها عقب ثورة يناير.
وعقب تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي، على قانون تنظيم سوق الغاز، أغسطس الماضي، سادت حالة من الارتياح إسرائيل، واعتبر كتاب ومحللون في تل أبيب أن القانون الجديد يفتح الباب لشركات مصرية خاصة لاستيراد الغاز الإسرائيلي.
وفي تقرير له تساءل موقع "ذا ماركر" النسخة الاقتصادية لصحيفة "هآرتس" هل الشركات الخاصة في مصر في طريقها لشراء الغاز من حقلي تمار ولفيتان في إسرائيل؟".
ولم يتسن لنا معرفة أى معلومات عن شركة دولفينوس صاحبة اتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي، سوى أنها شركة خاصة مصرية، تضم مجموعة من رجال الأعمال، أبرزهم علاء عرفة، وتهدف إلى استيراد الغاز وبيعه في مصر، خاصة للمصانع.
4 مكاسب
فى هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن استفادة مصر من صفقة الغاز الإسرائيلي تتمثل فى عدة نقاط.
وأوضح النحاس، فى تصريحات لـ"مصر العربية"، أن مصر لديها محطتان لإسالة الغاز الطبيعي فى إدكو ودمياط لا يعملان بكامل طاقتهما منذ إنشائهما قبل ثورة يناير 2011، بسبب عدم توافر الغاز فى مصر بالشكل الكافى لتشغيلهما، وسوف نستخدم الغاز المستورد من إسرائيل فى هذا المجال.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن محطات الإسالة تعتبر شراكة بين القطاع الخاص والحكومة، ولذلك فالاستفادة مشتركة بين الجانبين فى رسوم التشغيل، كما أن الحكومة ستحصل على ضرائب من الشركات الخاصة أيضا، وسنستفيد كذلك فى تشغيل العمالة والقضاء على نسبة من البطالة، قائلا "الضرائب والرسوم هتكون بالعملة الصعبة وكله هيروح للخزانة العامة".
وتابع: "كمان الصفقة دى هتكون ورقة ضغط فى إيد مصر ضد إسرائيل للتنازل عن قضايا التحكيم الدولي اللى كسبتها بعد وقف مصر تصدير الغاز إليها بعد الثورة واللى وصلت لـ3 أو 4 مليارات دولار لغاية دلوقتي"، مشيرا إلى أن ذلك كله مكاسب لمصر من وراء هذه الصفقة.
ووفقا لديليك للحفر، تجري دراسة عدة خيارات لنقل الغاز إلى مصر من بينها استخدام خط أنابيب غاز شرق المتوسط القائم والذي كان يستخدم في تصدير الغاز المصري لإسرائيل.
وقالت ديليك، في بيان، إنها وشريكتها نوبل إنرجي، التي مقرها تكساس، تنويان البدء في مفاوضات مع شركة غاز شرق المتوسط لاستخدام خط الأنابيب، وفقا لوكالة رويترز.
ومن بين الخيارات الأخرى التي قيد الدراسة لتصدير كمية الغاز البالغة 64 مليار متر مكعب استخدام خط الأنابيب الأردني الإسرائيلي الجاري بناؤه في إطار اتفاق لتزويد شركة الكهرباء الوطنية الأردنية بالغاز من حقل لوثيان.
الضرائب
فيما قال المستشار الاقتصادي، أحمد خزيم، إنه إذا كان الغاز المستورد من إسرائيل سيتم تصديره للخارج عن طريق مصر كما يقال، فإن الاستفادة الوحيدة للخزانة العامة المصرية هى أموال الضرائب والرسوم والعمولات.
وأضاف خزيم، فى تصريحات لـ"مصر العربية"، أنه من التدليس إعلان تحول مصر لمنطقة لوجيستية لنقل وبيع الغاز عالميا فى التوقيت الحالي، لأننا لسنا دولة ذات فوائض مثل روسيا أو قطر، ولكننا لازلنا نستورد من الخارج، وبالتالى فإن الغاز الإسرائيلي المستورد سوف يدخل السوق المحلى المصري، ما يعنى أن الحكومة المصرية ستدفع أموالا للشركة الخاصة صاحبة الاتفاقية، ولن تحصل على أموال عكس ما يقال.
وتابع المستشار الاقتصادي، "إعلان تعاقد شركة خاصة على صفقة كبيرة بهذا الحجم 15 مليار دولار مثير للغموض، لأنه مفيش أى شركة خاصة مصرية رأس مالها يصل إلى هذا الرقم، وعلشان كده إحنا أمام حسين سالم جديد زى أيام مبارك ولكن بالعكس، بدل ما كان بيستخدم فى التصدير دلوقتى هيستخدم فى الاستيراد".
ورقة ضغط للتعويضات
وتعليقا على الصفقة، قال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إن الاتفاقية بين دولفينوس وديليك ونوبل إنرجي تدخل نفقا سياسيا مظلما.
وأضاف نوار "احتفال نتنياهو باتفاق تصدير غاز إسرائيلي إلى مصر هو احتفال سابق لأوانه بكثير.. والدوائر تدور الآن لحشر هذا الاتفاق في نفق سياسي مظلم طويل، قد ترى النور بعده (بعد سنوات) وقد تموت".
وتابع "الاتفاق بين شركات خاصة مصرية واسرائيلية لن يمر بدون موافقة الحكومتين المصرية والإسرائيلية، كما أن الاتفاق يظل مجرد حبر على ورق لعدم وجود البنية التحتية اللازمة لتبادل الغاز بين مصر واسرائيل.. وفوق ذلك فإن الحكومة المصرية على وجه الخصوص ستستخدم حاجة نتنياهو لتنفيذ الاتفاق (لانقاذه من قضايا الفساد التي قد تسقطه) كورقة ضغط للحصول على تنازلات بشأن قرار هيئة تحكيم الغرفة التجارية الدولية بتغريم مصر 1.7 مليار دولار وإلزامها بدفع المصاريف (300 مليون دولار) لتوقفها عن تصدير الغاز المصري إلى اسرائيل بعد تكرار نسف الخط في سيناء".
واستطرد "نتنياهو احتفل مبكرا جدا وسوف يذوق مرارة احتفاله السابق للأوان في الأسابيع المقبلة، أما الحكومة المصرية التي تؤكد كل يوم أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز هذا العام فقد تعاقدت بالفعل على استيراد ثلاث شحنات من الغاز المسال حتى نهاية 2018، وهذا يعني أن السوق المصرية ما تزال عطشى للغاز المستورد".
وأضاف "أما حكاية تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة وضرب أحلام تركيا وقطر في الصميم فهي حكاية مضحكة ومسلية لها وقت آخر، يكفى أن أذكِّر الحكومة فقط بأن شركة قطر للغاز هي شريك في حقل ظهر بحكم امتلاكها لحصة كبيرة في رأسمال شركة روسنفط التي تملك 30% من امتياز حقل ظهر".
حقيقة الطرف المصرى
أما عن الشركة المصرية الموقعة على الاتفاقية دولفينيوس، فتشير الحكومة المصرية إلى أنها تتبع القطاع الخاص، في حين روى الخبير الاقتصادى إلهام المرغنى، قصة صعود هذه الشركة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك، قائلاً: "شركة سيجاس وهي عبارة عن شركة مكونة من الشركة القابضة للغازات المصرية "إيجاس" وشريك إيطالي هو "إيني" وشركة "يونيون فينوسا" الإسبانية وهي الشركة التي أسست مصفاة دمياط وتستخرج الغاز من سواحل مصر على المتوسط".
وأضاف: "كذلك كان رئيس إيجاس وقت توقيع الشراكة هو رئيس الوزراء المصري الحالي المهندس شريف إسماعيل، أما خالد أبو بكر فهو رجل أعمال يستثمر في مجال الطاقة والكهرباء والبترول ومد خطوط الغاز، والده كان رئيس هيئة البترول التي اشتركت في عملية تأميم قناة السويس، وعلاء عرفة من رجال أعمال الكويز وبطبيعة الحال في مجلس الأعمال المصري الأمريكي، وينافس مجموعة جلال الزوربا".
وتابع: "أسس خالد أبو بكر مع علاء عرفة شركة جديدة تدعى دولفينيوس - الموقعة على الاتفاقية مع اسرائيل- وهي الآن تتولى عكس ما كان يحدث عند تصدير الغاز لإسرائيل، أي استيراده من إسرائيل عبر نفس الخط بصورة عكسية ثم تكريره بمصفاة دمياط المملوكة لسيجاس واستخدامه محليًا".
واستكمل : "حل علاء عرفة في الاستيراد محل حسين سالم في التصدير".